أخر الأخبار

السبت، 10 يناير 2015

الصناعات الإبداعية والأفكار المبتكرة حلم في زنزانة مظلمة


 بقلم : ياسين العراقي
          الصناعات الإبداعية مصطلح جديد‏,‏ يقوم علي تسويق الأفكار المبتكرة‏,‏ بعد تحويلها إلي منتجات‏,‏ في جميع المجالات‏,‏ ويتحول بمقتضاه الإبداع إلي صناعة‏,‏ والفكرة إلي سلعة‏,‏ وقد بدأ يطرق أبواب الأقتصاديات العالمية بقوة‏,‏ لكنه يشق طريقه ببطء في العراق حاليا‏,‏ برغم أنه يمثل منجما لمليارات الدنانير ‏,‏ تمثل نصيبا عادلا ينتظر العراقيين على المستوي العالمي‏,‏ بإبداعهم في مجالات تكنولوجيا المعلومات‏,‏ واستغلال الإمكانات والخامات المتنوعة‏,‏ لكنهم يزهدون فيها,‏ تاركين المجال للصينيين‏ وامثالهم,‏ إما بسبب غفلة عن قدراتهم الإبداعية‏,‏ أو انشغالهم بيومهم الحاضر‏..‏ عن مستقبلهم الزاخر‏!‏
من هنا يأتي سؤال هذا التحقيق‏:‏ ما واقع الصناعات الإبداعية في العراق؟
أحلام نشأت
بالقرب من شارع الربيعي وشارع الصناعة ‏,‏ في قلب العاصمة بغداد‏,‏ ينام المهندس (احمد الرصافي )خريج هندسة بغداد في عام‏1997‏ م‏,‏ محتضنا حلمه كل يوم‏,‏ بأن يرى شركته الصغيرة التي كونها في مجال الملتي ميديا‏(‏ الوسائط المتعددة‏),‏ من كبرى شركات العالم المصدرة لمنتجات هذه الوسائط‏.‏
مجال الملتي ميديا حسبما يقول ـ لا يحتاج إلي بنية أساسية‏..‏ وبنيته العقول فقط‏..‏ مضيفا‏:‏ لقد سبقنا الشباب الصيني ‏,‏ وجعل من دولته أمة رائدة في هذا المجال‏..‏ مع أن العقلية العراقية فذة‏ ومتميزة في الابداع .
ويؤكد احمد أنه لو سلك الطريق التقليدي لأصبح الآن موظفا تقليديا لكنه فضل الاستجابة لحبه الجارف للمغامرة‏,‏ والعمل الحر‏..‏ يوضح‏:‏ كانت البداية عند تخرجي في الكلية‏,‏ مع ظهور ثورة تكنولوجيا المعلومات والانترنت بالعراق‏,‏ اوائل الالفينات ‏..‏ شجعتني أسرتي بمنحي مليون دينار  كاستثمار عائلي أبدأ به شركتي‏ الصغيرة.‏
ويتابع لقد انجذبت الي التطبيقات والبرامج التي كانت الشركات الأجنيية الكبري مثل مايكرو سوفت وأوتو ديسك تنتجها‏,‏ بدأت النواة بأربعة‏ اشخاص ..‏ وصل عددهم لاحقا إلي‏25‏ فردا‏..‏ واجهتنا مشكلة عدم وجود وعي بأهمية الوسائط المتعددة في الترويج للشركات المختلفة‏..‏ لكن شيئا فشيئا وبتشجيع مستمر بدأت منتجاتنا تتوالى‏,‏ وأصبحنا تننفذ الكتالوجات الإلكترونية للشركات والهيئات في العراق ‏,‏ ومن ثم فزنا بجوائز عن أعمالنا الإبداعية من الجامعة الأمريكية في شمال العراق الحبيب ‏.‏
شباب مبدعون
 أحمد مثال‏ من‏ بين المئات بل الآلاف من الشباب العراقيين وهم يحتضنون أحلامهم بقوة في كل ليلة‏,‏ خوفا من تقلبات الأيام‏,‏ وغدر الأنام‏,‏ متسلحين بالإيمان بالله.
يقر (أحمد ) بأنه لا يعرف رقما محددا للمبلغ الإجمالي الذي يتعامل فيه هؤلاء الشباب‏,‏ وإن كان يقدر ـ بالطبع ـ بملاين الدنانير ‏..‏ في مشروعات‏,‏ ينطبق عليها أنها‏:‏ صناعات إبداعية بإمتياز‏.‏
حقائق‏..‏ وأرقام
  الصناعات الإبداعية تمثل تحولاً رائدا من انتاج العضلات وابتكار العقل‏,‏ وهي تعبير قوي عن‏:‏ القيمة المضافة‏,‏ والتركيز على الصناعات العقلية‏,‏ والأعتماد على الفكرة المبتكرة‏,‏ وجودة المنتج‏,‏ والأسم التجاري‏.‏
يبلغ نصيب الشعب العراقي 1% من الصناعات الابداعية
يقول المهندس (صادق الفراتي) أمين عام الاتحاد العربي لتكنولوجيا المعلومات‏,‏ أن قيمة الأسم التجاري قد تفوق بمراحل قيمة المواد الخام في السلعة‏.‏
فصناعة البرمجيات ـ كمثال يضربه للصناعة الإبداعية ـ يبلغ حجمها قرابة ‏600‏ مليار دولار على المستوي العالمي بأرقام سنة‏ (2004‏ ـ‏2005) ‏ وبتوزيع عادل فإن الشعب العراقي يمثل‏1%‏ من سكان العالم‏,‏ أي أن المفروض أن يبلغ نصيبه من هذه الصناعة‏,‏ النسبة نفسها أي‏(1%)‏ من عوائدها‏,‏ وهو ما يقدر بنحو‏6‏ مليارات دولار سنويا‏,‏ غير أن الواقع يقول إن هذه الصناعة لا تحقق أكثر من‏1,5‏ مليار دولار لدينا‏,‏ أي أننا بالكاد حققنا ربع القيمة‏,‏ ومازالت أمامنا مساحة للإنتاج‏,‏ بخلاف التصدير‏,‏ تبلغ‏4,5‏ مليار دولار‏,‏ أي نحو‏26‏ مليار دينار‏.‏
براءات الاختراع منجم يمكن أن يفيد الاقتصاد الوطني بملاين الدنانير‏.
في مجال براءات الاختراع يؤكد الدكتور محسن محمود شكري القائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا‏,‏ أن براءات الاختراع منجم يمكن أن يفيد الاقتصاد الوطني بملاين الدنانير‏.
ويحذر من وجود حلقة مفقودة بين نتيجة البحث العلمي‏,‏ وتحوله إلي منتج تكنولوجي‏,‏ داعيا رجال الأعمال إلي التقاط الاختراعات الواعدة‏,‏ وتحويلها إلي نماذج أولية‏,‏ ثم خطوط إنتاج قابلة للتسويق‏,‏ عبر توفير التمويل اللازم لهذه المراحل‏,‏ بالتعاون مع جهاز تنمية الابتكار والاختراع  بالعراق ‏.‏ المنتجات ذات الصبغة الثقافية منجم آخر ـ حسب وصف المهندس( صادق الفراتي‏)‏ فلدينا التاريخ العراقي في الصناعة والانتاج فخير مثال صناعة اجهزة قيثارة ‏,‏ ولو تخيلنا إنتاج منتج عراقي بجودة جيدة‏,‏ ويعبر عن الإصالة العراقية‏,‏ وكان سعره أربعين دولارا‏,‏ واشتراه مليونا مستهلك عراقي من مجموع المستهلكين العراقيين‏,‏ كان المقابل ثمانين مليون دولار ‏‏ تتولد من وراء هذه الصناعة فقط‏.‏
وكان رأي الدكتور عبد الجليل ضاري السعدون التدريسي في جامعة واسط / كلية التربية قسم الجغرافية.
صناعة المعارض والمؤتمرات لها حجم اعمال مرعب في العالم‏..‏ أنظر إلى إمارة دبي ـ يقول ـ إذ يجري فيها يوميا ما بين عشرين إلي ثلاثين مؤتمرا ولقاء ومعرضا في بلد يستورد كل شيء بما فيها العمالة‏..‏ وحتي صيف دبي الرطب والحار مباع قبل بدايته‏..‏ أما نحن في العراق ارض الخيرات‏,‏ لكن حدث ولا حرج‏!‏
محافظة كربلاء المقدسة  لدينا ــ يمكن أن تنتعش فيها سياحة دينية ضخمة جداً فلماذا لا تكون هذه السياحة الدينية عالمية‏,‏ ونجني من ورائها الملايين؟
وأيضا  مدينة الزبير في البصرة مشهورة بزراعة النخيل والتمور فلماذا لا نساعد كل أسرة هناك عن طريق التشجيع والدعم وتوفير المستلزمات والأدوات الخاصة اللازمة لإنتاج هذا الصنف من اصناف الزراعة ‏..‏ إن الفقر يمكن أن يكون دافعا للإبداع‏.‏
ويضيف أيضا الصناعات العلاجية‏,‏ مثل معمل (سامراء)  لأنتاج العلاجات بأنواعها هل من المنطق أن تكون لدينا هذه الثروة العملاقة من أساتذة الجامعات وخبراء الطب‏,‏ ثم لا تكون لدينا مدينة علاجية متطورة أو حتى دعم هذا المجال وتطويره الى متى نحن فقط نستهلك الى متى نحن نستورد ؟
هناك أيضا‏ ملاين‏ من الشباب تحت سن البلوغ في العراق والوطن العربي‏..‏ كل هؤلاء سيدخلون الجامعات‏..‏ عندنا اسم تجاري وحظاري هو الجامعة المستنصرية لما تحضى به من كفاءات علمية نادرة لا توصف ناهيك عن اصل هذه الجامعة وتاريخها العريق لماذا لا نبيع هذا الاسم ؟
لدينا‏..‏
أن الأسرة العراقية مطحونة‏ ولا وقت لديها للإبداع
تشجيع روح الابتكار بين جميع الطوائف‏,‏ أمر مهم يشدد عليه الدكتور (صالح الزاملي ) احد اساتذة جامعة واسط كلية التربية قسم العلوم التربوية والنفسية  محذرا من أن الأسرة العراقية مطحونة‏,‏ ولا وقت لديها للإبداع‏,‏ مقترحا تحويل‏ الملاين الذين يعيشون تحت خط الفقر في المحافظات العراقية وخصوصا (محافظة واسط) فخير مثال على ذلك اننا نمتلك معمل ضخماً للصناعات النسيجية الا وهو معمل نسيج الكوت لكن نجده مهمل من قبل المواطن المستهلك فلو التجأ المستهلك الواسطي لهذا المعمل لساعد على استقطاب البطالة مما يؤدي الى الابتعاد عن الفقر والحد من هذه الطبقة .
يضرب الدكتور (صالح الزاملي) مثلاً لنجاح الإبداع الاجتماعي بتجربة كوبا في محو الأمية‏:‏ عبر الاستفادة من المتعلمين الذين يعانون من البطالة‏,‏ إذ كان المعلم الجوال يذهب إلي الأسر‏,‏ فلا تقدم له إلا وجبات الغداء في مقابل ما يقدمه لها من التعليم‏,‏ وهكذا نجحت كوبا في محو أمية شعبها في وقت قياسي أقرت به منظمة اليونسكو‏,‏ وأصبحت تصدر نظامها المبتكر لمحو الأمية إلي العديد من البلدان‏!‏
ويحذر من أن مفهوم الإبداع الاجتماعي مازال غائبا عن ساحاتنا التنموية‏,‏ برغم الأهمية الشديدة له‏,‏ كما أن بيئة المجتمعات العربية مقاومة لهذا الإبداع‏,‏ بسبب تفشي المركزية‏,‏ واحتكار القرار‏,‏ في مجالات التنمية المعلوماتية‏,‏ علاوة على ضعف إسهام المنظمات الأهلية في جهود التنمية المحلية‏,‏ ورسوخ التبعية العلمية والتكنولوجية والابداعية‏,‏ وإتباع نموذج تنموي فوقي ‏(‏ يتحرك من أعلى إلى أسفل‏)‏ في حين أن الإبداع الاجتماعي ـ بحكم طبيعيته ـ يتطلب تحركا من أسفل إلى أعلى‏.‏
الإبداع الاجتماعي
بالتوازي مع ماسبق‏,‏ فإن الإبداع الاجتماعي أمر يدعو إليه الدكتور( نبيل علي ) خبير المعلومات العالمي‏,‏ مشيرا إلي أن هذا الإبداع‏,‏ ينشد حلولا مبتكرة تنبع من الواقع المحلي‏,‏ وتقوم علي القدرات الذاتية واستغلال الموارد المحلية وتطويع التكنولوجيا لمطالب البيئة المحلية‏,‏ واقتراح أنسب البدائل التكنولوجية لإحداثها‏,‏ من أجل تحقيق التنمية المستدامة بأقل كلفة وفي أقصر وقت ممكن وبأ قصي مشاركة من أعضاء الجماعات المحلية‏.‏
لماذا لا نفسح مجال الابداع ... لماذا لا نجعل الزهور تتفتح ؟
الإبداع قابل للتنمية من أول العمر حتي آخره‏,‏ وليس سحرا لكنه سلوك قابل للتنمية‏,‏ ان اكتشاف المبدعين يجب أن يدخل بشكل منهجي في المؤسسات التعليمية‏,‏ ولكن أننا لا نعرف خطط الوزارات المختلفة للإبداع والمبدعين‏,‏ ولا توجد لدينا خطة وطنية بل ما هو موجود جهود جزئية متناثرة يغيب عنها التنسيق‏,‏ وحتى لو كانت هناك خطط فنريد أن نعرف كيف يتم تنفيذها‏,‏ وما مدى كفاءتها‏.‏
والأمر هكذا‏,‏ يدعو إلى تطوير التعليم بإرساء قواعد التعلم‏.‏ ألا أن عدم دعم صناعة الإبداع جريمة وأن هذا الدعم ضرورة للأمن الاقتصادي والصناعي والزراعي وحتى البشري ‏.‏

 وهناك مثل عراقي دارج يقول ( اليثرد يدري... والياكل ميدري ‏) هكذا هو الحال بنا عندما تجد طاقات شبابية تحاول بكل صوره استثمار ابداعاتها وطاقاتها الى ان عدم الاهتمام والدعم وايضا وعدم توفر فرص العمل يحول بينهم وبين المستقبل الذي رسموه في مخيالاتهم مما ادى بالكثير منهم الابتعاد عن مثل هكذا ميزة ألا وهي (الابداع ) وهكذا يحلم الشاب العراقي حلم عريق لكن الحلم يتحول إلى كابوس عندما يستيقض .‏
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: الصناعات الإبداعية والأفكار المبتكرة حلم في زنزانة مظلمة Description: Rating: 5 Reviewed By: WE NEWS
Scroll to Top